المقدمة
الثراء الفكري والنتاج المعرفي والزخم الثقافي يُلبي احتياجات الإنسان الروحية والنفسية، ويُغدي شغفه العلمي وفضوله المعرفي، وإذا كان المعتقد أهم مكون للشخصية، بالإضافة إلى مكونات أخرى هي غاية في الأهمية، وكل منها يؤسس لجانب من جوانبها، ولا غِنى للنفس البشرية عنها؛ فالتاريخ يُمثل عُمقها الضارب في الزمن، والجغرافيا تحوي بيئتها، وعلوم النفس تعالج انحرافها، وعلوم التربية تهذب سلوكها، وعلم الاجتماع يوطد علاقاتها بمجتمعها، والمكتبات خزانة علوم الأمم ومعارفها، واللغات الأجنبية والسياحة والاثار مد لجسور التواصل مع الشعوب والتعرف، إلى ثقافاتهم والفلسفة، تصحب كل ذلك وتغوص في أعماق الفكر والحياة، أما اللغة الأم فهي النفس الروحي للأمة، وهي نظام عقدها ولسان مقالها وحالها، ومنظومة أفكارها.
وإذا كان أثر العلوم التطبيقية آنياً ظاهراً ومادياً بارزاً فإن العلوم الإنسانية تبني الشخصية من الداخل لبنة لبنة، وهدفها إستراتيجي بعيد المدى، وبُعْدُها يكمن في المبادئ والتفكير والسلوك، وتنعكس على النشء، وتصحح مسار الأجيال وتتجسد في شحد الهمم وتنمية المهارات، وتوظيف الطاقات؛ لترقى بإنسانية الإنسان وطموحه وآماله، وتشكل وعيه بنفسه ومحيطه وواقعه، وتدفعه إلى استشراف مستقبله، ولابدّ أن ينعكس كل هذا على ذلك المجتمع ثقافة وتواصلاً وتفاعلاً وتأثيراً، وغرساً لقيم المواطنة المتشبعة بالقيم الراسخة والطامحة لغدٍ أفضل.
من هذه المنطلقات جميعاَ تُزمع كلية الآداب بجامعة مصراته إقامة مؤتمرها العلمي الرابع الشامل لجميع التخصصات بعنوان " سَبْرُ العلوم الإنسانية: التحديّات والمناهج والتوقعات المستقبلية " تحت شعار "تحديات الغد برؤى اليوم". والكلية إذ تُعلم جمهور الباحثين والخبراء والمهتمين بالبحث العلمي وقضايا العلوم والمعرفة والثقافة فإنها تهيب بكل باحث ومهتم بأن يسهم في مناقشة القضايا الحضارية ومعالجة المشاكل واقتراح التصورات والحلول الآنية والمستقبلية في إطار تكاملي يخدم الانسان والمجتمع.